قوم لوط 2: تعذيبهم
(المحادثات التالية؛ ما هي إلا تصور لحالة النبي لوط عليه السلام مع قومه، وهذا التصور والشرح متسوحى ومستخرج من كلام الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم كما جائنا من القرآن والحديث الصحيح)
شآء الله بأن لا يُرد عن قوم لوط العذاب.. لأن لوط قد حذرهم وأنذرهم مراراً وتكراراً
فقال لهم ناصحاً مُحذراً:
_ كيف للرجال أن يأتي بعضهم بعضاً؟! إن الله لم يخلق لكم حريتكم لكي تستخدموه في إغضابه وانتهاك حرماته.. ألا تتقون الله الذي خلقكم وتخشونه؟
فقال له قومه:
_ ومن ربك يا لوط ؟
أجابهم لوط قائلاً:
_ ربي وربكم الله.. الله الذي خلق لكم أجسادكم بكل ما فيها من شهوة لكي يبتليكم بها. فهو الذي فطركم على شهوة مستقيمة تُشبع نزواتكم، ثم نهاكم أن تبتدعوا أو تأتوا شهوة غيرها؛ وإلا سيحل عليكم غضب منه ورجس وعذاب.
أخذ قوم لوط ينظر بعضهم إلى بعض في استهزاء وضحك، ثم قالوا لـ لوط:
_إننا لا نُبالي لما تقول يا لوط ولا نؤمن به.
فقال لهم لوط:
_ إنكم قد ابتدعتم وتفشى فيكم فعل لم يفعله أحد قبلكم.. فصارت شهوتكم لا تقوم إلا ناحية الرجال أمثالكم.. ونسائكم أيضاً صرن لا يشتهين إلا أمثلهن من النساء.. فيا له من فعل وذنب عظيم!
فأجابوه قائلين:
_ إن لم يعجبك يا لوط فعلنا؛ فاخرج أنت وأهلك وتطهروا بعيداً عنا.
فقال لهم لوط:
_ الأمر ليس في خروجي أو بقائي.. الأمر أنكم تغضبون الله ربكم، والذي لو شاء لانتقم منكم على أفعالكم.. ولكنه تارككم لعلكم ترجعون.
فقالوا له مستهزئين:
_ أي انتقام يا لوط! إننا نفعل فقط ما يحلوا لنا.. ونحن نحب ونستمتع في أن يأتي بعضنا بعضاً نحن معشر الرجال ولا نرى عيباً في ذلك.
فقال لهم لوط:
_بل إن الله قد جعل الشهوة في الإنسان لا تحدها حدود، وقد ألبس سبحانه ذاك الإنسان لباس الفطرة حتى لا تذهب شهوته بعيداً عما أمره به. ثم جاء الشيطان بكل حيلة يحاول أن ينزع عن بني آدم لباس الفطرة لكي يذهب بهم إلى أدنى الدناءة وأسفل سافلين، وهذا ما نراه واضحاً ومتجلياً فيكم بعدما ساقكم إبليس إلى الفاحشة النكراء.. فصار فعلكم ليس هنالك أحط ولا أرذل منه.
أخذ القوم ينظر بعضهم إلى بعض وقد تاه بهم كلام لوط وأخرجهم بعيداً عن سكرة الشذوذ التي هم فيها.. فأخذ لوط يزيدهم:
_إن الله قد جعلني رسولاً إليكم.. وإنني لم أنصحكم إلا بكل خيرٍ وحسن.. ثم إنني لا أسعى في نصحكم لطلب المال أو السلطان.. بل إن الله هو من أرسلني.. وهو الذي سيجزيني على نصيحتى لكم. كيف لكم أن تشتهوا الرجال أمثالكم وتذروا النساء من أزواجكم؟
إنكم نسيتم أنفسكم وسلمتوها للشيطان الذي يدعوكم إلى كل فاحشة وظلم وسوء.. حتى أصبحت كل فاحشة عندكم مقبولة.. وأن كل ما يطرأ على أنفسكم؛ إذا ما وجدتم له قبولاً؛ فمرحباً به.
إلا أن القليل من الناس من يعرف أن الله تعالى غنيٌ عن كل أحد.. فإنه لو كفر به كل من في الأرض وفعلوا أشد الأعمال إجراماً، وانتشرت الفاحشة بينهم انتشار الهواء؛ فليس ذلك ضآراً الله في شيء؛ لأنه هو الغني المتكبر يُلقيهم جميعاً _من كفر به_ في جهنم مبعدين بعيداً جداً.. لا مخرج لهم ولا راحة. إلا أن الله هو المحسن الحميد الشاكر الذي يُجزي بأحسن الأعمال ويعفو عن باقيها ويغفره لمن آمن به.. ويمهل العاصي لعله يتوب.
قوم لوط قارنوا بين الإيمان والفاحشة؛ فمالت موازينهم نحو الفاحشة..
ولما كان الله سبحانه هو الغني عن كل أحد.. فاستغنى عن قوم لوط لما استغنوا.. فقلَّب لهم أفئدتهم وأبصارهم عندما لم يؤمنوا من أول مرة دعاهم فيها لوط؛ فأصابتهم المقارنة بمُصيبتها.. وأخذوا يقارنون ما يدعوهم إليه لوط مع فاحشتهم؛ فرجحت موازينهم الخرِبة؛ فاختاروا الفاحشة على ما يدعوهم إليه لوط.. وظلوا مُصرّيين على الفاحشة في طغيان لا يُطيقون سماعاً لموعظة أو نصح من أحد.. وظلوا على ما ابتدعوه من الفاحشة.. وصارت القرية كلها وما حولها؛ ما فيها إلا لوط وبناته المتعففين الطاهرين.