لو سلمنا الأمر للشذوذ؛ فإننا لا بد أن نسلم لباقي الأهواء المريضة
سكت صاحبي برهة وآخذ ينظر إليه.. ثم قال:
_قل لي! ماذا تقول في الذين يتمتعون باغتصاب والاعتداء على الصبيان وتشويه حياتهم النفسية حتى يتمنى الصبي منهم أن يموت فيخرج من هذا العالم بعدما تم انتهاك عرضه؟
قال الشاذ بعدما ثَـبَّت نظره تجاه صاحبي:
_ أتريد من خلال كلامك هذا أن تصل إلى القول بأننا من هؤلاء المفسدين، وواجب منعنا مما نحن فيه.. أليس كذلك؟
تبسم صاحبي.. ثم قال:
_قل لي! لماذا نضع حراسات مشددة على المصارف لحماية المدخرات.. وإذا أردنا أن نضع بعض تلك الحراسات على جسد الإنسان قامت الدنيا ولم تقعد؟
قال الشاذ:
_ لن تستطيع أبداً أن تفهم كيف هي مشاعرنا وأحاسيسنا..
ردّ صاحبي قائلاً:
_ولن أستطيع أيضاً أن أفهم مشاعر وأحاسيس الذين يزنون ويعاشرون أمهاتهم وأخواتهم وعماتهم وخالتهم.. ولن أستطيع أن أفهم مشاعر وأحاسيس ذاك الذي انتهك طفلة صغيرة حتى خرجت تصف ما حدث لها؛ بأنه أدخل فيها الشيء الذي يقضي حاجته من خلاله..
ولن أستطيع أيضاً أن أفهم تلك المرأة التي حولت جسدها وأخضعته لعمليات جراحية ليُضارع أجساد الشياطين.. فإذا نظرت إليها صرخت من داخلك بأن أبعدوني عن هذه الحياة وعن تلك المشاهد الغريبة وعن أولئك الناس المسوخ.
انذهل الرجل الشاذ وسكت قليلاً.. ثم قال:
_أنا لا يهمني كل هذا.. كل همي هو ما أهواه!
السارق يتمنى بأن لا يُعاقب.. والفاحش يتمنى العالم كله فاحشون مثله!
قال صاحبي:
_ قبل أن تنطلق راكباً رأسك وتمضي على هواك غير مبالٍ لمصيرك ومصير غيرك؛ فكر قليلاً لأن ما تريده هو من أسباب جلب الخراب والفناء على الإنسانية جمعاء.. ونحن إن لم نتوقف من أنفسنا عن فعل الفواحش؛ فإن الخراب والدمار الذي سيحل علينا؛ هو الذي سيضطرنا إلى التوقف.
استطرد صاحبي قائلاً والرجل ينظر إليه:
_ أوليس من المفترض أن يكون هناك ميزاناً ثابتاً يتحاكم إليه الناس إذا ما اختلفوا في شيء.. ميزان ثابت يتحاكمون إليه؛ لأنه بالطبع لا يمكنهم أن يتحاكموا إلى أقوالهم؛ وإلا فإنه سيتم تسليم الأمر إلى الفسدة وإلى الأهواء المريضة التي تُفسد في الأرض ولا تُصلح..
قال الشاذ:
_ماذا تقصد بكلامك هذا؟
قال صاحبي:
_ السارق يتمنى أن تكون كل الأعراف تسمح له بفعل السرقة.. والمجرم والفاحش يتمنى أن يكون العالم كله مجرمون وفاحشون مثله.. وصاحب الهوى المريض يتمنى من الناس جميعهم أن يتبعوه فيما يهواه، ولذلك كان على الناس أن يتحاكموا إلى ميزان ثابت لا يتغير… وهذا الميزان هو ميزان الله، والذي عرّفنا أنه إذا ما اختلفنا في شيء فأن نرد الحكم إليه.
الرجل الشاذ ينطر إلى صاحبي الذي أخذ في مواصلة كلامه قائلاً:
_هل تذكر مثال المصرف والمدخرات وأن هناك حراسات حول المصارف لحماية المدخرات؟
قال الشاذ:
_ نعم أذكره.. المثال الذي قلته منذ قليل!
واصل صاحبي قائلاً:
_فإن في الجسد أماكن تُسمى محارم.. واكتسبت اسمها من الحرمانية.. فهي حرام لا يمكن لأي أحد أن يقربها إلا من عنده إذن بذلك.. وتلك المحارم هي ملك لله قبل أن تكون ملكاً للإنسان؛ ولذلك جعل الله في انتهاكها الفساد والخراب والضياع.
وسبحانه فعل ذلك؛ ليُبقي محارمه وحرماته مصونة ومحفوظة.. وفعل ذلك أيضاً؛ لكي يحذرنا ويُخوفنا من عاقبة الخوض في تلك المحارم أو قربها إلا بما أقره هو سبحانه.
قال الرجل:
_ ولماذا حرم الله الشذوذ _كما تسمونه_ رغم أننا نريده وتريده أجسادنا ويشغل كل تفكيرنا ولا نجد مفراً منه؟
قال صاحبي مشفقاً عليه والعطف يظهر في كلامه:
_لا يا حبيبي! ما كان الله أن يجعل في الإنسان شهوة مستقيمة قويمة؛ ثم يمنعه عنها ويحذره منها.. كلا!
ولكن أمر الحيوة من أوله إلى آخره؛ إنما هو فتنة وابتلاء منه سبحانه لينظر ماذا تفعل.. فهو قد جعل فيك شهوة مستقيمة؛ ثم حذرك بأن تأتي غيرها وإلا سيقع عليك غضب منه وعذاب.