شخصيات نستصغر أنفسنا أمامها..
ومن الذين نستصغر أنفسنا أمامهم، ونحسب أنه ليس لهم مثيل؛ أولئك الذين صاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم.. وقد خرج النبي عليهم مرة وهو يتعجب من أماكنهم في الجنة بعدما أراه الله أماكنهم وأماكن باقي أمته في الجنه؛ فظن النبي بأنه لم يتفضل عليهم إلا بالنبوة.. وأن مقامهم مثل مقامه عند الله.
عمر الفاروق
عمر الفاروق تهابه الدنيا جميعها.. ويدخل عليه أحد قادة الفرس ويتسائل:
_أين هو.. نريد عمر؟!
فيجدونه نائماً في المسجد وجعلوا يخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه.. فيتعجب القائد ويسأل:
_وأين هم حاشيته؟ وأين هو حاجبه؟ وأين هم حراسه وكُتَّابه وخدمه؟
فيردون عليه بأنه ليس شيئاً مما ذكرت عنده.. فيزداد تعجبه !! ثم يقول:
_ينبغي أن يكون نبياً!
فقالوا له:
_بل هو يعمل مثل عمل الأنبياء.
ثم قال هذا القائد قولته الشهيرة:
“حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”
وعمر هذا !
هو الذي دخل على مشارف الشام بعد فتحها.. على مشارف الشام وما أدراك ما الشام في زخرفها وزخارفها!.. دخلها وكان أميراً للمؤمنين.. وقد قابلهم مكان ضحل به ماء في طريقهم.. فنزل من على ناقته وجرَّها وقد حمل في يده حذاءه.. فقال له أحد الصحابة:
_ماذا لو رآك القوم وأنت على هذه الحال.. وأنت أمير المؤمنين ومشارق الأرض ومغاربها تحت سلطانك؟
فقال عمر قول المؤمن الذي ثبت صدق الإيمان في قلبه:
_نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام.. فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله!
فهم عمر لـ مُراد وقصد الله
وعلى مقدار الفهم الذي كان في عمر لدين الله الكم الذي لا يُوصف!
فمرة كان هو والصحابة رضوان الله عليهم على مشارف إحدى المدن.. فسمع بأن وباء الطاعون في تلك المدينة قد انتشر بين أهلها.. فلما سمع ذلك؛ قرر بأن يرجع وجيشه عن فتح تلك المدينة.. فاعترض الصحابي أبو عبيدة بن الجراح على ذلك.. وقال للفاروق متسألاً:
_ هل نفرُّ من قدر الله؟
فرد عليه عمر رضي الله عنه.. ردَّ عليه وقد نبهنا إلى العظيم من مراد الله وقصده:
“لو قالها غيرك يا أبا عبيدة!
نعم.. نفر من قدر الله إلى قدر الله”
فسواء دخلوا المدينة فذلك قدر الله.. ولو رجعوا عنها؛ فذاك أيضاً قدر الله.. لأن أمر الدخول والرجوع بيد الله أولاً.. وقدر الله سبحانه قد أحاط بكل شيء.. أحاط بكل شيء وبكل فعل وكل حركة.. وقدر الله قد سبق عندما ألهم عمر الرجوع عن فتح المدينة بسبب الوباء.. فصار قدر الله أن يرجعوا..
“له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور”