من هو الأحق في العبادة والاتباع ؟
إذا كان الملحدون يعتقدون في إلههم المعبود وهو “المادة” بأنها خلقت الوجود والحيوة؛ فواجب بالاستناد إلى كل ما نرى من تناسق وحكمة بالغة، وأشياء كبيرة وصغيرة، وحقائق مذهلة مبهرة، وحروف عجيبة، ولغة ساحرة ناقلة للمعرفة معبرة.. وقاضية لما في النفس من حاجة مُسعفة؛ فواجب على تلك “المادة” الحكيمة أن تتكلم وتُعرّف عن نفسها.. تتكلم وتهدي الناس إلى طريقها؛ إلا أنه ليس هناك شيء من ذلك!
والملحدون عندما عرفوا شيئاً عن تراكيب بعض العناصر ونظامها؛ بدأوا في العبادة والتسبيح بحمد “المادة”.. ومثلهم في ذلك؛ كمثل قوم موسى عندما رأوا العجل الذي من ذهب؛ فعشقوه وأشُربت قلوبهم عشقاً به.. فقالوا بأن هذا ولابد هو ربُّهم وربُّ موسى النبي! فردّ عليهم الله سبحانه بأنهم واجب أن يتبعوا الحق ويرجعوا ويتحاكموا إلى الحق قبل أن يتخذوا ذلك العجل رباً..
“أفلا يرون أنه لا يُكلمهم ولا يهديهم سبيلاً.. اتخذوه وكانوا ظالمين”
أولم يروا أن الذي خلقهم وخلق لهم القدرة على الكلام؛ لا يستطيع هو في الأصل أن يتكلم أو أن يرد عليهم؟
والله يتعجب من أولئك الذين جعلوا المخلوق العالة على كل أحد، والذي لا يستطيع أن يتعدى وظيفته في هذه الحياة؛ جعلوه الخالق المُصرف لشؤون الكون..
“أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون”
ثم يزيد التعجب على كيفية اتخذ هذه المادة العمياء وأشباهها؛ أرباباً وخالقاً وهي عاجزة صماء عمياء لا تستطيع خدمة نفسها..
“ألهم أرجل يمشون بها.. أم لهم أيدٍ يبطشون بها.. أم لهم أعين يبصرون بها.. أم لهم ءاذان يسمعون بها.. قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تُنظرون”
كل ما في الوجود يدعونا إلى الإيمان بالخالق المُريد
وكان الأولى على الملحدين أن يجتمعوا جميعاً ويعلنوا الإيمان بالله الخالق المريد لهذه الأسباب:
♦ بسبب فرط قدرة الله وعلمه وبديع صنعه والذي نراه أمامنا في خلال دراستنا وأبحاثنا.
♦ وبسبب أن الناس قديماً كانوا ينظرون بالعين المجردة إلى أعضاء الجسم الحي؛ فيتعجبون ما يسعهم من العجب لدقتها وتساند أجزاءها وتعاون وظائفها وسريان عوامل النمو فيها بمقاديره الضرورية على حسب السن والنوع والفصيلة، سواء في جسم الإنسان أو في جسم الحيوان أو جسم الحشرة أو جسم النبات.. لذلك كان على الملحدين أن يتعجبوا أضعاف ذلك العجب بعد أن عرفوا بالمجاهر والتحليلات؛ مم تتألف تلك الأعضاء.. وعلى أي نحو تتساند تلك الوظائف.
وكان على الملحدين أن يتعجبوا أضعاف ذلك العجب بعد أن تبين لهم أن هذه الأعضاء البارزة للعيان؛ ما هي إلا مجموعة من ذرات لا تُرى الألوف منها بالعين المجردة.. وأن كل ذرة منها تقع في موقعها من الجسم، وتتعاون بقية الذرات في ذلك الموقع كأنها على علم بتلك الذرة وبما تطلبه منها.. ولا تضل واحدة من تلك الذرات عن طريقها لمرض أو عجز طرأ عليها؛ إلا تكفل سائرها بإصلاح خطئها وتقويم ضلالها.
بدلاً من استخدام العلم للوصول إلى تمام الإيمان؛ استخدم العلم للوصول إلى تمام الكفر والإلحاد
وقد أحسن المتنبي حين قال متعجباً عن أولئك الذين لهم طول قامة وبُعد نظر وحِدة ومقدرة على الإصابة وإتمام الأمور؛ ثم إذا أرادوا أن يفعلوا شيئاً؛ فعلوا فعل القصير الأعمش صاحب العاهة الذي لا يقدر أن يُتم شيئاً..
عجبت لمن له قدٌّ وحدٌّ … وينبو نبوة القضم الكهام
ومن الأشياء التي لا يستحي الملحدون عنها؛ هي أنهم يتطاولون ويُريدون أن يحدوا جملة الخلق والحيوة في مذهبهم المسكين الذي لا يصل إلى شيء.. يُريدون أن يحدوا الكون والخلق؛ والله في علياءه لم يحده عندما تفضل وتكلم! بل إنه ذكر القليل جداً سبحانه.. وعلى الرغم من كل ما توصلنا إليه؛ فإننا لم نُؤتى إلا القليل.